دائماً ما تتصدّر أخبار الشركات وقراراتها المختلفة فيما يخص عمليات الاندماج (Merger) والاستحواذ (Acquisition) العناوين الأولى على المنصات الإخبارية والصحف المختلفة، وذلك بسبب التأثير الكبير الذي قد ينتج عن تلك العمليات على سوق أو صناعة أو بلد معين مثلاً، فقد أصبحت الشركات اليوم أكبر بكثير من الماضي وباتت قادرة على التأثير بشكل سلبي أو إيجابي على المجالات التي تعمل بها.
قد تبدو مصطلحات مثل الاندماج والاستحواذ في الشركات واضحة للوهلة الأولى، ولكنّها في الواقع تعتبر من أكثر المصطلحات التي يتم تفسيرها بشكل خاطئ، حيث تعمل كل واحدة منها وفق خطوات مشابهة للأخرى بشكل يجعل التفريق بينهما ليس بالأمر السهل. سنتكلّم في هذا المقال عن هاتين العمليتين مع توضيح نتيجة كل واحدة منهما، بالإضافة لذكر الأسباب التي تدفع الشركات نحوها وذكر بعض الأمثلة على ذلك.
ما هو الاندماج
يشير مصطلح الاندماج إلى العمليّة التي يتمّ من خلالها الاتفاق بين شركتين على الاتحاد مع بعضهما البعض لتشكيل كيان واحد جديد، ويتمّ ذلك وفق شروط ترضي الطرفين معاً، حيث أنّ الاندماج عادةً ما يحصل بين شركتين متساويتين في عدّة جوانب بما في ذلك الحجم وعدد العملاء ونطاق العمليّات الخاصّة بكل واحدة منها. في بعض الأحيان يتمّ استخدام مصطلح اندماج المتساوين (Merger of Equals) لتفريق عمليات الاندماج التقليديّة عن بعض العمليّات الأخرى التي تضمّ شركتين غير متساويتين تماماً.
يتمّ تصنيف عمليات الاندماج وفقاً للهدف الأساسي منها، حيث قد تجد عمليات تهدف للسيطرة على حصة سوقيّة أكبر في مجال ما، أو من أجل تقليل التكاليف أو التوسع لمناطق جديدة، كما قد يكون الاندماج من أجل زيادة الأرباح بحيث يعود بفائدة كبيرة على المساهمين بشكل رئيسي. بعد الانتهاء من عمليّة الاندماج، يتمّ إصدار أسهم جديدة يتم توزيعها بين مساهمي الشركتين بالاعتماد على عدد أسهمهم السابقة في كل شركة.
ما هو الاستحواذ
تتمّ عمليّة الاستحواذ عند قيام شركة ما بشراء شركة أخرى (عادةً ما تكون أصغر منها) لتصبح الأولى هي المسيطرة والمتحكّمة وصاحبة القرار النهائي بأي شيء يخص الشركة المُشتراة، وذلك من خلال شراء الشركة بالكامل بما في ذلك أسهمها وأصولها الأخرى أو شراء أكثر من %50 منهم بحيث تصبح قادرة على اتخاذ القرارات دون أخذ موافقة باقي المساهمين.
عادةً ما يتمّ الاستحواذ بموافقة الشركة التي سيتمّ شراؤها، وفي حال كانت شركة غير موافقة بالكامل على الاستحواذ عليها، فإنّ العملية يُشار لها أحياناً بمصطلح الاستيلاء (Takeover)، ونظراً للسمعة السيئة المرتبطة بعمليات الاستحواذ التي تتمثّل بقيام الشركات الكبيرة بتوسيع هيمنتها على قطاع أو سوق معيّن، فإنّ بعض الشركات تقوم بالإشارة إلى عمليّات الاستحواذ الخاصّة بها على أنّها عمليّات اندماج، حتى ولو كانت وبشكل واضح ليست كذلك.
تقوم الشركات (خاصّة الكبيرة منها) بعمليات استحواذ بملايين ومليارات الدولارات وذلك لعدّة أسباب، فقد تكون راغبة بدخول أسواق خارجيّة جديدة أو لزيادة نموّها في مجال معيّن والقضاء على المنافسين من خلال شرائهم مثلاً، وفي بعض الأحيان قد يتمّ الاستحواذ على شركة جديدة للسيطرة على تقنيّاتها الخاصة واحتكارها أو لتوفير تكاليف البحث والتطوير (R&D) حتّى.
الفرق بين الاندماج والاستحواذ
بغضّ النظر عن التسميات المضلّلة التي تستخدمها الشركات، فإنّ الفرق الرئيسي بين عمليتي الاندماج والاستحواذ هو أنّ الأولى تؤدّي لظهور شركة جديدة تتكوّن من اتحاد الشركتين المندمجتين، بحيث تضمّ أعضاء مجلس إدارة ومساهمين من الشركتين معاً، وبالنسبة للاستحواذ فهو يؤدّي لقيام الشركة المستحوذة بفرض سيطرة كاملة أو شبه كاملة على الشركة المُستحوذ عليها، وقد تصبح مسؤولة عن أصولها الكاملة وأسهمها بالإضافة للديون والمسؤوليات المالية والقانونية أيضاً.
يتمّ النشر عن عمليات الاندماج الكبيرة من خلال الأخبار فور إعلانها، وذلك بسبب أهميّتها الكبيرة وتأثيرها المحتمل على السوق، ولكن في الواقع فإنّ عمليات الاستحواذ شائعة جداً بين الشركات، حيث أنّها تحدث بشكل دائم خاصة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة ولكنّها لا تظهر في الأخبار العالمية بشكل دائم نظراً لقلة أهميتها أو لكونها محليّة ومقتصرة على بلد واحد فقط، وبالنسبة لعمليات الاندماج فهي أقل انتشاراً بين الشركات.
يتمّ الإشارة لعمليّات الاستحواذ أو الاندماج الحديثة بمصطلح الاندماج والاستحواذ (Mergers and acquisitions) أو M&A، وبذلك فهو يشمل جميع عمليات الدمج والاستحواذ وعروض الشراء وغيرها من المعاملات الأخرى المتعلقة بإعادة هيكلة الشركات، ونتيجة لعدم اتّباع نظام تسمية موحّد وواضح فإنّ ذلك عادةً ما يؤدي لفهم خاطئ لما فعلته الشركة فعلاً.
أمثلة على عمليات استحواذ أو اندماج كبيرة
اندماج شركتي Exxon و Mobil
في الماضي كانت كل من Exxon Corp و Mobil Corp من أكبر شركات إنتاج النفط في العالم، وفي عام 1999 قامتا بعمليّة اندماج بقيمة 81 مليار دولار (حوالي 125 مليار دولار اليوم بعد احتساب التضخم)، وذلك بعد أخذ الموافقة من لجنة التجارة الفدراليّة (FTC).
بعد الانتهاء من العملية تمّ تسمية الشركة الجديدة ExxonMobil، وأصبحت أسهمها متاحة للتداول ضمن بورصة نيويورك ضمن رمز XOM الجديد، وعلى الرغم من انهيار أسعار النفط بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، فإنّ رأس مالها السوقي ما يزال أكثر من 180 مليار دولار اليوم.
استحواذ شركة AT&T على Time Warner
في عام 2018 أكملت شركة AT&T عمليّة استحواذها على شركة Time Warner مقابل 85.4 مليار دولار لتكون واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ في العقد الماضي، وذلك بعد مرور وقت طويل نتيجة محاولة الحكومة الأمريكيّة منع هذا الاستحواذ. يجدر بالذكر أنّ AT&T تعتبر اليوم من أكبر شركات الاتصالات في العالم، ومع استحواذها على Time Warner أصبحت بذلك من أكبر الشركات في مجال الترفيه أيضاً، ويبلغ رأس مالها السوقي اليوم حوالي 214 مليار دولار.