يُعد الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product أو (GDP) واحد من أكثر المؤشرات المُستخدمة لتتبع صحّة اقتصاد الدول، وذلك كون حسابه لبلد ما يأخذ العديد من العوامل المتعلقة باقتصاد البلد بعين الاعتبار، بما في ذلك الاستهلاك الشخصي والاستثمارات والأعمال والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات وغيرها، فيعبر بالنتيجة عن مستوى معيشة الأفراد وقيمة العملة والقوة الاقتصاديّة، الأمر الذي يكسبه أهميّة كبيرة بالنسبة للمحللين الاقتصاديين والمستثمرين.
يُمثل الناتج المحلي الإجمالي القيمة الإجماليّة لكل البضائع والخدمات التي يتم إنتاجها بواسطة اقتصاد ما خلال فترة زمنيّة محددة، وكمقياس غالباً ما يوصف بأنّه حساب للحجم الإجمالي للاقتصاد. كما يعتبر أيضاً عاملاً أساسياً مُستخدماً في الطرق التي تتبعها البنوك المركزيّة لتقييم صحة الاقتصاد وتحديد معدلات الفائدة كقاعدة تايلور (Taylor rule). سنتعرف في هذا المقال على الناتج المحلي الإجمالي وكيفيّة قياسه ومدى أهميته للاقتصاديين والمستثمرين فتابع معنا.
تعريف الناتج المحلي الإجمالي GDP
يُعرّف الناتج المحلي الإجمالي على أنّه القيمة النقديّة لجميع السلع والخدمات النهائيّة التي يتم إنتاجها داخل حدود الدولة خلال فترة زمنيّة محددة (غالباً ما يحتسب سنوياً)، ويشمل أي شيء يقوم مواطنو الدولة أو الأجانب المقيمين داخلها بإنتاجه، حيث يُستخدم عادةً لتقييم صحّة اقتصاد تلك الدولة، ويتم حسابه بجمع البيانات التاليّة مع بعضها البعض وهي: الاستهلاك الشخصي والعام والاستثمارات الخاصّة والعامّة والإنفاق الحكومي بالإضافة إلى الصادرات مطروحاً منها الواردات.
يتم حساب الناتج المحلي الإجمالي نموذجياً على أساس سنوي، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يُحسب على أساس ربع سنوي (Quarterly) أيضاً، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة يُصدر مكتب التحليل الاقتصادي (BEA) تقديرات الناتج المحلي الإجمالي السنويّة لكل ربع مالي وللسنة التقويميّة، وعادةً ما يتم التعبير عن الرقم كنسبة مئويّة للتغيّر من ربع إلى آخر، وبشكل عام تُعتبر أرقام الناتج المحلي الإجمالي السنويّة مقياساً للحجم الإجمالي للاقتصاد.
الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والحقيقي Nominal vs. Real GDP
يمكن التعبير عن الناتج المحلي الإجمالي بطريقتين مختلفتين هما: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (Real GDP) والناتج المحلي الإجمالي الاسمي (Nominal GDP)، ويتجلى الفرق بينهما في أنّ الناتج الاسمي يأخذ بعين الاعتبار أسعار السوق الحاليّة دون احتساب التضخم أو الانكماش، حيث ينظر إلى الحركة الطبيعيّة للأسعار ويتتبع الزيادة التدريجيّة لقيمة اقتصاد ما مع مرور الوقت.
على نقيض الناتج الاسمي يتم احتساب التضخم في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، بمعنى أنّه يمثل الارتفاع الإجمالي في مستويات الأسعار. بشكل عام يفضل الاقتصاديون استخدم الناتج الحقيقي كطريقة لمقارنة معدّل النمو الاقتصادي لبلد ما، ويتم حسابه باستخدام معامل انكماش السعر (Price Deflator) الذي يُمثل فارق السعر بين السنة الحاليّة والسنة المعتمدة كأساس للحساب أو السنة المرجعيّة. ويساعد الناتج الحقيقي الاقتصاديين على معرفة فيما إذا كان هناك أي نمو حقيقي بين سنة والتي تليها.
قياس الناتج المحلي الإجمالي
هناك طريقتان أساسيتان لحساب الناتج المحلي الإجمالي:
- بواسطة جمع ما كسبه جميع من في الدولة خلال عام أي ما يعرف باسم مقاربة الدخل (Income Approach)
- أو بجمع ما أنفقه جميع من في الدولة خلال عام أي ما يعرف باسم طريقة النفقات (Expenditure Method).
منطقياً يجب أن يصل كل الإجراءين إلى نفس القيمة الإجماليّة تقريباً.
يتم حساب مقاربة الدخل التي يشار إليه في بعض الأحيان باسم (GDPI) عن طريق جمع إجمالي التعويض المقدم للموظفين، وإجمالي الأرباح للشركات المدرجة وغير المدرجة والضرائب مطروحاً منها أي إعانة ماليّة. أمّا طريقة النفقات التي تُعد المقاربة الأكثر شيوعاً فيتم حسابها عن طريق جمع إجمالي الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات.
أخيراً يمكن قياس الناتج المحلي الإجمالي بشكل مكافئ اعتماداً على قيمة السلع أو الخدمات المُنتجة في اقتصاد ما على مدار العام فيما يعرف بمقاربة الإنتاج (Production or Output Approach)، وكون الناتج الاقتصادي يتطلب نفقات وهو مُستهلك بدوره، فإنّ الطرق الثلاث لحساب الناتج المحلي الإجمالي يجب أن تصل إلى نفس القيمة.
بشكل عام غالباً ما يتم توظيف المعادلة المبسطة التالية لحساب الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما:
GDP = C + G + I + NX
حيث يعبر الرمز C عن الاستهلاك والرمز G عن الإنفاق الحكومي والرمز I عن الاستثمارات، وأخيراً الرمز NX عن صافي الصادرات.
أهمية الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاديين والمستثمرين GDP for Economists and Investors
يُعتبر الناتج المحلي الإجمالي مقياساً مهماً للاقتصاديين والمستثمرين لأنّه يمثل الإنتاج والنمو الاقتصادي، حيث يؤثر هذين العاملين بشكل كبير على كل شخص تقريباً داخل اقتصاد معين، فعندما يكون الاقتصاد في حال تعافي عادةً ما تكون مستويات البطالة أقل، وتميل الأجور إلى الارتفاع تزمناً مع سعي الشركات لتوظيف المزيد من العمالة لتلبية الطلب المتزايد على الاقتصاد.
يتابع الاقتصاديون نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيجابي بين فترات زمنية مختلفة (عادةً من سنة إلى أخرى) لإجراء تقييم لمدى ازدهار الاقتصاد، وبشكل معاكس يشير النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي إلى أنّ الاقتصاد في حالة ركود أو يقترب من الركود أو الانكماش الاقتصادي.
يهتم المستثمرون بالناتج المحلي الإجمالي لأنّ أي تغيير ملحوظ في النسبة المئوية للناتج المحلي الإجمالي صعوداً أو هبوطاً، قد يكون لها تأثير كبير على سوق الأسهم. بشكل عام يعني الاقتصاد السيء عادةً أرباح أقل للشركات، وهذا يمكن أن يُترجم إلى انخفاض في أسعار الأسهم.
قد يهتم المستثمرون بنمو الناتج المحلي الإجمالي الإيجابي والسلبي عند وضع استراتيجيّة استثماريّة. من المهم ملاحظة أنّه نظراً لكون الناتج المحلي الإجمالي هو قياس للاقتصاد في الربع أو السنة السابقة، فمن الأفضل استخدامه للمساعدة في شرح كيفيّة تأثير النمو الاقتصادي والإنتاج على الأسهم والاستثمارات الخاصة بالمستثمر في الماضي، ولا يعتبر مؤشراً مفيداً لكيفيّة تحرك السوق في المستقبل.