أشهر المصطلحات في عالم المال والأعمال، هو مصطلح التضخم – Inflation. يصنفه البعض على أنه شيء جيد للاقتصاد، ويصنفه البعض الآخر على أنه لعنة يجب التخلص منها في أقرب وقت. لكن الذي لا شك فيه، هو أنه مصطلح مغرٍ جدًا للكثير من المستثمرين، ومغرٍ أكثر للفهم والدراسة.
التضخم يعني أن تنخفض القيمة الشرائية للعملة مقابل ارتفاع أسعار السلع. حتى يأتي وقت تنهار فيه العملية المحلية تمامًا، إذا لم تستطع الدولة احتواء الأمر بالعديد من وسائل التقويض المتاحة. لذلك الاستثمار في وقت التضخم يكون من الأشياء الخطرة جدًا، ويقول بعض المستثمرين أن الاستثمار وقتها قرار غبي وأحمق للغاية فيما يرى البعض أن فترات التضخم قد تكون وقتاً مثالياً للحصول على صفقات مميزة من الصعب العثور عليها في فترات الاستقرار الاقتصادي.
لذلك اليوم سوف نتحدث عن آليات حساب التضخم والتنبؤ به قبل حدوثه، حتى تصبح لديك فرصة أكبر لدراسة وضع السوق، وأخذ قرار إذا كنت ستترك استثماراتك كما هي، أم ستسحبها بالتدريج.
مراقبة معدل النمو الاقتصادي
في هذه النقطة، الأمر كله مرهون بمعدل النمو على المدى الطويل – long-run trend rate. المصطلح صعب بعض الشيء، لكن مفهومه بسيط للغاية.
معدل النمو على المدى الطويل هو معدل النمو الاقتصادي الذي يسمح بتعيين أكبر قدر ممكن من البشر بداخل المؤسسات الحكومية، مع عدم التسبب في عجز أو زيادة في الميزانية العامة للدولة، ويُطلق عليه (متوسط النمو) إذا شئنا الدقة. فإذا اعتبرنا متوسط النمو هو 2.5% في فترة زمنية معينة (5 سنوات مثلًا)، فإذا حدثت زيادة في السنة السادسة، هذا سيء، وإذا حدث نقصان، فهذا سيء أيضًا.
إذا حدثت زيادة كبيرة (5% مثلًا)، فسيتم تعيين المزيد من الناس في القطاعات الحكومية، فبالتالي المزيد من الأموال ستُنفق. نفس الأموال التي كانت ستذهب إلى منافذ إنفاقية أخرى للدولة مثل المشاريع وخلافه، مما يجعل الأخذ من الاحتياطي النقدي أمرًا لا مفر منه. وبذلك يستهلك الناس السلع أكثر، فتندر بدورها ويصبح سعرها أغلى، وتنخفض القيمة الشرائية للعملة في المقابل، وهنا يحدث التضخم.
وعلى الصعيد الآخر، إذا هبط المعدل عن المتوسط بشدة (1% مثلًا)، سيكون هناك انكماش اقتصادي. حيث ستحتاج الدولة إلى طرد الكثير من العاملين بها، بهدف خفض الرواتب، والعمل على الاحتفاظ بأموال الاحتياطي النقدي ثابتة بقدر الإمكان. هذا سيخلق بدوره بطالة عمّالية جديدة، وأفواهًا جائعة باستمرار. ومع الوقت سيهبط المزيد من الناس أسفل خط الفقر، وتحدث فجوة كبيرة بين الطبقة الدُنيا والطبقة العُليا، ومع الوقت تختفي الطبقة المتوسطة تمامًا. مما يخِل بموازين الطبقات الاجتماعية على المدى الطويل. وبالطبع هذا استنادًا على أن العالم يُدار بالنظام الرأسمالي كأسلوب حياة أثبت نجاحًا لعقود خلف عقود، لا دخل للاشتراكية بالأمر هنا.
قد يهمك: تعرف على أهم فوائد وأضرار التضخم ومتى يكون مفيداً أو ضاراً للاقتصاد
مراقبة معدلات التوظيف
ربما تعتقد أن التوظيف لا علاقة له بارتفاع معدل التضخم، لكن له فعلًا. أتتذكر الانكماش الاقتصادي الذي تحدثنا عنه منذ قليل؟ أتتذكر البطالة التي سيساهم في خلقها؟ أجل، تلك البطالة هي التي ستخلق المزيد من التضخم مع الوقت.
هناك نوع من التضخم يسمى التضخم التركيبي – Built-in inflation، وهو ببساطة تضخم مبني على اعتماد شيء على آخر. ففي حالة عدم وجود وظائف متاحة للناس، سوف تنخفض معدلات التوظيف بدرجة كبيرة، فبالتالي يزداد سن المعاش بالنسبة للموظفين الحاليين، ويتم تكليفهم بأكثر من وظيفة لسد العجز. وهذا يترتب عليه مطالبة الموظفين الحاليين، بزيادة في الرواتب، وهنا تقع الدولة في مأزق.
الدولة في الأساس لا تريد تعيين المزيد من الناس بمؤسساتها، لأنها لا تريد الإنفاق من الاحتياطي النقدي، وتريد جعل الميزانية العامة للبلاد ثابتة بقدر الإمكان، حتى وإن كانت الضريبة هي وقوع الملايين أسفل خط الفقر. كيف يمكن لها إذًا الانصياع لرغبة الموظفين الحاليين برفع الأجور؟ الأمر شبه مستحيل. لذلك تتجه الدولة لتهديد الموظفين بالتسريح، نظرًا لوجود موظفين آخرين راضين بالأمر على كل حال.
عدم زيادة الرواتب، مع زيادة أسعار السلع، يُخفض من القيمة الشرائية للعملة المحلية بدون شك. مع الوقت ستندر السلع بالأسواق، وتزداد أسعارها أكثر وأكثر، وتنخفض قيمة العملة أكثر وأكثر. وهذا بدوره سيخلق التضخم الذي سيجعل الدولة في موقف لا تحسد عليه على الإطلاق.
مراقبة معدلات إنفاق الدولة
مراقبة نمط ضخّ الأموال في البنوك، يساعد على تقييم الوضع الاقتصادي للبلاد بالتأكيد. في بعض الأحيان تَعمد الدول لإخفاء معدلات النمو عن الجمهور، وهذا كي لا تُظهر العجز الموجود في الموازنة العامة. لكن معدل ضخّ الأموال في البنوك يُظهر ما تحاول الدول التستر عليه، مهما فعلت.
الدول تعرف أن التضخم سوف يحدث لا محالة، لذلك تحاول تقليل المخاطر قبل أن تأتي. وأبرز مخاطر التضخم هو انهيار العملة على المدى الطويل، حيث أن الدولة ستُجبر على طباعة أموال كثيرة، بدون وجود غطاء نقدي يدعمها. لذلك أول خطوة أن يجب يتخذها البنك المركزي للبلاد هي الحدّ من الطباعة، وإصدار أوامر للبنوك الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، بتقليل مخزونها المالي المتاح للجمهور.
وبناء عليه، سوف تتخذ البنوك إجراءات قاسية جدًا تجاه الجمهور. فمثلًا إذا كان البنك (أ) بالأمس يستطيع إقراض المواطن 20 ألف دولار أمريكي بضمان راتبه الحكومي، اليوم لن يستطيع إقراضه إلا 10 آلاف فقط. وعندما يتم سؤال البنك عن السبب: يرد الرد المعهود: “هذه تعليمات البنك المركزي، لا دخل لنا بها”.
ونفس الأمر ينطبق على كل المنافذ الاستثمارية للبنوك، مثل فوائد شهادات الاستثمار مثلًا. سوف تقل نسبة الفوائد فجأة، بل وسوف تُلغى الشهادات ذات العائد الكبير، ولن تعود متاحة للشراء بعد الآن. وذلك بهدف تقليل نسبة المصروفات العامة، على أمل أن تتم المحافظة على قيمة شبه ثابتة للاحتياطي النقدي في النهاية.